تاريخ ومعالمكتبمقالات عامة

‎كتاب القدس ليست اورشليم‎

القدس، المدينة المقدسة التي كانت على مر العصور محورًا للديانات السماوية، أصبحت اليوم في صلب نزاع سياسي وديني واسع النطاق. الكتاب الذي نناقشه يقدم نقدًا جريئًا للرواية التوراتية التي تربط بين القدس وأسماء مثل “أورشليم” و”قدش برنيع”، مستندًا إلى منهج علمي يعتمد على النصوص الأصلية والجغرافيا. يحاول المؤلف تفكيك السرديات التي أصبحت جزءًا من العقيدة الاستشراقية والاستعمارية، والتي تم استغلالها لإعادة تشكيل تاريخ المنطقة بما يخدم مصالح سياسية محددة.

أولاً: القدس في الرواية التوراتية
يبدأ الكتاب بتحليل النصوص التوراتية، مشيرًا إلى أن الاسم “القدس” بشكله الحالي لم يرد في التوراة بصيغتها العبرية القديمة. بدلاً من ذلك، تظهر أسماء مثل “قدش” و”أورشليم” في سياقات جغرافية ودينية مختلفة تمامًا عما نجده في الواقع الجغرافي لفلسطين. ويرى المؤلف أن هذه الأسماء تشير إلى مواقع جنوب الجزيرة العربية، وليس إلى القدس العربية كما نعرفها اليوم.

يستشهد الكتاب بوصف التوراة لأورشليم كموقع جبلي حصين، مشيرًا إلى أن هذا الوصف لا يتطابق مع موقع القدس الحالي، التي تقع على هضبتين صغيرتين. كما يشير إلى أن النصوص التوراتية غالبًا ما تحدثت عن أماكن غير معروفة في فلسطين، وهو ما يثير الشكوك حول صحة المطابقة بين الروايات التوراتية والجغرافيا الفلسطينية.

ثانيًا: تفكيك السردية الصهيونية
الكتاب يوجه نقدًا صريحًا لما يسميه بـ”المخيال الاستشراقي”، وهو التأويل الذي قُدم للنصوص التوراتية من قبل المستشرقين الأوروبيين لدعم الرواية الصهيونية. يبين المؤلف أن هذه الرواية تم الترويج لها خلال الفترة الاستعمارية لتبرير احتلال فلسطين وتهويد القدس.

وفقًا للمؤلف، فإن الرواية الإسرائيلية عن تطابق “أورشليم” و”القدس” اعتمدت على إسقاطات تعسفية تهدف إلى ربط التاريخ اليهودي بالمنطقة. ولكن التحليل الدقيق للنصوص العبرية يثبت أن هذه الروايات مبنية على تأويلات خاطئة ومبالغات لا تدعمها الأدلة الأثرية أو الجغرافية.

ثالثًا: أدلة جغرافية وتاريخية مفصلة
يركز الكتاب على الجغرافيا كعنصر حاسم في تفكيك هذه السرديات. يورد المؤلف أمثلة عديدة تثبت أن الأماكن المذكورة في التوراة تقع في جنوب الجزيرة العربية، وليس في فلسطين. ومن أبرز هذه الأمثلة:

قدش برنيع:
يشير المؤلف إلى أن هذا الاسم يطابق جبلًا في جنوب اليمن، وليس في النقب الفلسطيني كما تدعي الروايات الإسرائيلية. يقدم وصفًا دقيقًا لهذا الجبل، مشيرًا إلى مطابقته مع النصوص التوراتية التي تصفه.

جبل صهيون:
يدحض الكتاب المزاعم القائلة بأن “جبل صهيون” المذكور في التوراة يقع في القدس، مشيرًا إلى أن هذا الجبل هو في الواقع جزء من سلسلة جبال نجران في السعودية. ويعتمد في ذلك على النصوص الجغرافية العربية القديمة مثل كتابات الهمداني.

بيت بوس:
يظهر تحليل المؤلف أن “بيت بوس”، الذي ورد ذكره في النصوص التوراتية، هو موقع يمني قرب صنعاء، وليس قرية فلسطينية كما يتم تصويره.

رابعًا: استغلال الرواية التوراتية في التهويد
يرى المؤلف أن الروايات التوراتية تم استخدامها كأداة لتبرير مشاريع استعمارية في فلسطين، وعلى رأسها تهويد القدس. ويرى أن العودة إلى النصوص الأصلية وفحصها بعناية يكشف أن “قدش” و”أورشليم” هما أسماء لمواقع تختلف تمامًا عن القدس العربية. كما يشير إلى أن استخدام التوراة كمرجع لإثبات العلاقة التاريخية لليهود بالقدس هو أمر غير علمي وغير دقيق.

خامسًا: أهمية النقاش العلمي في تصحيح التاريخ
يدعو المؤلف إلى إعادة بناء الرواية التاريخية على أسس علمية وموضوعية، بعيدًا عن الشعارات الدينية أو الوطنية. ويؤكد أن التصحيح العلمي للروايات التوراتية لا ينتقص من قدسية القدس بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، بل يعزز مكانتها التاريخية كمدينة عربية إسلامية ومسيحية.

كما يشير إلى أن تصحيح التاريخ الفلسطيني يتطلب شجاعة علمية لمواجهة الحقائق المزيفة التي ترسخت بسبب التأويلات الاستشراقية. ويشدد على ضرورة الانفتاح على الأدلة العلمية والبحث الجاد لتقديم رواية تاريخية حقيقية ومقنعة.


الكتاب يقدم دعوة صريحة إلى تحرير التاريخ الفلسطيني من الأكاذيب والأساطير التوراتية التي تم الترويج لها على مدى قرون. ويؤكد المؤلف أن القدس لم تكن يومًا “أورشليم” التوراتية، بل هي مدينة عربية أصيلة لها تاريخها الخاص الذي يجب الدفاع عنه استنادًا إلى الأدلة العلمية. يختتم المؤلف بالتأكيد على أهمية النقاش العلمي الهادئ كوسيلة لإعادة بناء الرواية التاريخية للمنطقة، والدفاع عن عروبة القدس بعيدًا عن التفسيرات الاستعمارية.

رابط الكتاب في جرير:

القدس ليست اورشليم فاضل الربيعي – مكتبة جرير السعودية (jarir.com)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى